كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {فَساءَ قَرِينًا (38)} بمنزلة قولك: نعم رجلا، وبئس رجلا. وكذلك {وَساءَتْ مَصِيرًا} و{كَبُرَ مَقْتًا} وبناء نعم وبئس ونحوهما أن ينصبا ما وليهما من النكرات، وأن يرفعا ما يليهما من معرفة غير موقّتة وما أضيف إلى تلك المعرفة. وما أضيف إلى نكرة كان فيه الرفع والنصب.
فإذا مضى الكلام بمذكر قد جعل خبره مؤنثا مثل: الدار منزل صدق، قلت: نعمت منزلا، كما قال: {وساءت مصيرا} وقال: {حَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} ولو قيل: وساء مصيرا، وحسن مرتفقا، لكان صوابا كما تقول: بئس المنزل النار، ونعم المنزل الجنة. فالتذكير والتأنيث على هذا ويجوز: نعمت المنزل دارك، وتؤنث فعل المنزل لما كان وصفا للدار. وكذلك تقول: نعم الدار منزلك، فتذكّر فعل الدار إذ كانت وصفا للمنزل. وقال ذو الرمّة:
أو حرّة عيطل ثبجاء مجفرة ** دعائم الزّور نعمت زورق البلد

ويجوز أن تذكر الرجلين فتقول بئسا رجلين، وبئس رجلين، وللقوم: نعم قوما ونعموا قوما. وكذلك الجمع من المؤنث. وإنما وحّدوا الفعل وقد جاء بعد الأسماء لأن بئس ونعم دلالة على مدح أو ذمّ لم يرد منهما مذهب الفعل، مثل قاما وقعدا.
فهذا في بئس ونعم مطرد كثير. وربما قيل في غيرهما مما هو في معنى بئس ونعم.
وقال بعض العرب: قلت أبياتا جاد أبياتا، فوحّد فعل البيوت. وكان الكسائىّ يقول: أضمر حاد بهن أبياتا، وليس هاهنا مضمر إنما هو الفعل وما فيه.
وقوله: {وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقًا} إنما وحد الرفيق وهو صفة لجمع لأن الرفيق والبريد والرسول تذهب به العرب إلى الواحد وإلى الجمع. فلذلك قال: {وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقًا} ولا يجوز في مثله من الكلام أن تقول: حسن أولئك رجلا، ولا قبح أولئك رجلا، إنما يجوز أن توحد صفة الجمع إذا كان اسما مأخوذا من فعل ولم يكن اسما مصرحا مثل رجل وامرأة، ألا ترى أن الشاعر قال:
وإذا هم طعموا فألأم طاعم ** وإذا هم جاعوا فشرّ جياع

وقوله: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ} كذلك، وقد رفعها بعضهم ولم يجعل قبلها ضميرا تكون الكلمة خارجة من ذلك المضمر. فإذا نصبت فهى خارجة من قوله: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} أي كبرت هذه كلمة.
وقوله: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها... (40)}.
ينصب الحسنة ويضمر في (تك) اسم مرفوع. وإن شئت رفعت الحسنة ولم تضمر شيئا. وهو مثل قوله: {وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ}.
وقوله: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ... (42)}.
(وتسوى) ومعناه: لو يسوون بالتراب. وإنما تمنّوا ذلك لأن الوحوش وسائر الدواب يوم القيامة يقال لها: كونى ترابا، ثم يحيا أهل الجنة، فإذا رأى ذلك الكافرون قال بعضهم لبعض: تعالوا فلنقل إذا سئلنا: واللّه ما كنا مشركين، فإذا سئلوا فقالوها ختم على أفواههم وأذن لجوارحهم فشهدت عليهم. فهنالك يودّون أنهم كانوا ترابا ولم يكتموا اللّه حديثا. فكتمان الحديث هاهنا في التمني.
ويقال: إنما المعنى: يومئذ لا يكتمون اللّه حديثا ويودون لو تسوى بهم الأرض.
وقوله: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى... (43)}.
نزلت في نفر من أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم شربوا وحضروا الصلاة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل تحريم الخمر. فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ} مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ولكن صلّوها في رحالكم.
ثم قال: {وَلا جُنُبًا} أي لا تقربوها جنبا {حَتَّى تَغْتَسِلُوا}.
ثم استثنى فقال: {إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ} يقول: إلا أن تكونوا مسافرين لا تقدرون على الماء ثم قال: {فَتَيَمَّمُوا} والتيمم: أن تقصد الصعد الطيّب حيث كان. وليس التيمم إلا ضربة للوجه وضربة لليدين للجنب وغير الجنب.
وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا... (44)}.
أَلَمْ تَرَ: في عامة القرآن: ألم تخبر. وقد يكون في العربية: أما ترى، أما تعلم.
وقوله: {مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ... (46)}.
إن شئت جعلتها متصلة بقوله: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من الذين هادوا يحرفون الكلم} وإن شئت كانت منقطعة منها مستأنفة، ويكون المعنى: من الذين هادوا من يحرفون الكلم. وذلك من كلام العرب: أن يضمروا (من) في مبتدأ الكلام. فيقولون: منّا يقول ذلك، ومنا لا يقوله. وذلك أن (من) بعض لما هي منه، فلذلك أدّت عن المعنى المتروك قال اللّه تبارك وتعالى: {وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وقال وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها} وقال ذو الرمة:
فظلّوا ومنهم دمعه سابق له ** وآخر يثنى دمعة العين بالهمل

يريد: منهم من دمعه سابق. ولا يجوز إضمار (من) في شيء من الصفات إلا على المعنى الذي نبأتك به، وقد قالها الشاعر في (فى) ولست أشتهيها، قال:
لو قلت ما في قومها لم تأثم ** يفضلها في حسب وميسم

ويروى أيضا (تيثم) لغة. وإنما جاز ذلك في (فى) لأنك تجد معنى (من) أنه بعض ما أضيفت إليه ألا ترى أنك تقول فينا صالحون وفينا دون ذلك، فكأنك قلت: منا، ولا يجوز أن تقول: في الدار يقول ذلك وأنت تريد في الدار من يقول ذلك، إنما يجوز إذا أضفت (فى) إلى جنس المتروك.
وقوله: {لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ} يعنى: ويقولون {وراعنا} يوجهونها إلى شتم محمد صلى اللّه عليه وسلم. فذلك اللىّ.
وقوله: {وأقوم} أي أعدل.
وقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها... (47)}.
فيه قولان أحدهما: أن يحوّل الوجه إلى القفا، والآخر: أن يجعل الوجه منبتا للشعر كما كان وجه القرد كذلك. فهو ردّه على دبره لأن منابت شعر الآدميين في أدبارهم، (وهذا) أشبه بالصواب لقوله: {أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ} يقول: أو نسلخهم قردة.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ... (48)}.
فإن شئت جعلتها في مذهب خفض ثم تلقى الخافض فتنصبها يكون في مذهب جزاء كأنك قلت: إن اللّه لا يغفر ذنبا مع شرك ولا عن شرك.
وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ... (49)}.
جاءت اليهود بأولادها إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: هل لهؤلاء ذنوب؟
قال: لا، قالوا: فإنا مثلهم ما عملناه بالليل كفّر عنا بالنهار، وما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل. فذلك تزكيتهم أنفسهم.
وقوله: {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} الفتيل هو ما فتلت بين إصبعيك من الوسخ، ويقال: هو الذي في بطن النواة.
وقوله: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ... (51)}.
فأما الجبت فحيىّ بن أخطب. والطاغوت كعب بن الأشرف.
وقوله: {أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)} النقير: النقطة في ظهر النواة. و(إذا) إذا استؤنف بها الكلام نصبت الفعل الذي في أوله الياء أو التاء أو النون أو الألف فيقال: إذا أضربك، إذا أجزيك. فإذا كان فيها فاء أو واو أو ثمّ أو (أو) حرف من حروف النسق، فإن شئت كان معناها معنى الاستئناف فنصبت بها أيضا. وإن شئت جعلت الفاء أو الواو إذا كانتا منها منقولتين عنها إلى غيرها. والمعنى في قوله: {وإذا لا يؤتون} على: فلا يؤتون الناس نقيرا إذا. ويدلك على ذلك أنه في المعنى- واللّه أعلم- جواب لجزاء مضمر، كأنك قلت: ولئن كان لهم، أو ولو كان لهم نصيب لا يؤتون الناس إذا نقيرا. وهى في قراءة عبد اللّه منصوبة فإذا لا يؤتوا الناس نقيرا وإذا رأيت الكلام تامّا مثل قولك: هل أنت قائم؟ ثم قلت: فإذا أضربك، نصبت بإذا ونصبت بجواب الفاء ونويت النقل. وكذلك الأمر والنهى يصلح في إذا وجهان: النصب بها ونقلها. ولو شئت رفعت بالفعل إذا نويت النقل فقلت: إيته فإذا يكرمك، تريد فهو يكرمك إذا، ولا تجعلها جوابها. وإذا كان قبلها جزاء وهى له جواب قلت: إن تأتنى إذا أكرمك. وإن شئت: إذا أكرمك وأكرمك فمن جزم أراد أكرمك إذا. ومن نصب نوى في إذا فاء تكون جوابا فنصب الفعل بإذا. ومن رفع جعل إذا منقولة إلى آخر الكلام كأنه قال: فأكرمك إذا. وإذا رأيت في جواب إذا اللام فقد أضمرت لها (لئن) أو يمينا أو (لو). من ذلك قوله عزّ وجل: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ} والمعنى- واللّه أعلم-: لو كان معه فيهما إله لذهب كل إله بما خلق. ومثله {وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا} ومعناه: لو فعلت لا تخذوك. وكذلك قوله: {كِدْتَ تَرْكَنُ} ثم قال: إِذًا لَأَذَقْناكَ، معناه لو ركنت لأذقناك إذا. وإذا أوقعت (إذا) على يفعل وقبله اسم بطلت فلم تنصب فقلت: أنا إذا أضربك. وإذا كانت في أوّل الكلام (إن) نصبت يفعل ورفعت فقلت: إنى إذا أو ذيك. والرفع جائز أنشدنى بعض العرب:
لا تتركنّى فيهم شطيرا ** إنى إذا أهلك أو أطيرا

وقوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ... (54)}.
هذه اليهود حسدت النبي صلى اللّه عليه وسلم كثرة النساء، فقالوا: هذا يزعم أنه نبىّ وليس له هم إلا النساء.
فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ} وفي آل إبراهيم سليمان بن داود، وكان له تسعمائة امرأة، ولداود مائة امرأة.
فلما تليت عليهم هذه الآية كذّب بعضهم وصدّق بعضهم.
وهو قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ... (55)}.
بالنبإ عن سليمان وداود وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ بالتكذيب والإعراض.
وقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا... (71)}.
يقول: عصبا. يقول إذا دعيتم إلى السرايا، أو دعيتم لتنفروا جميعا.
وقوله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ... (72)}.
اللام التي في (من) دخلت لمكان (إنّ) كما تقول: إنّ فيها لأخاك.
ودخلت اللام في {ليبطّئنّ} وهى صلة لمن على إضمار شبيه باليمين كما تقول في الكلام: هذا الذي ليقومنّ، وأرى رجلا ليفعلنّ ما يريد. واللام في النكرات إذا وصلت أسهل دخولا منها في من وما والذي لأن الوقوف عليهن لا يمكن.
والمذهب في الرجل والذي واحد إذا احتاجا إلى صلة. وقوله: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ} من ذلك، دخلت اللام في (ما) لمكان إنّ، ودخلت في الصلة كما دخلت في ليبطئن. ولا يجوز ذلك في عبد اللّه، وزيد أن تقول: إن أخاك ليقومنّ لأن الأخ وزيدا لا يحتاجان إلى صلة، ولا تصلح اللام أن تدخل في خبرهما وهو متأخر لأن اليمين إذا وقعت بين الاسم والخبر بطل جوابها كما تقول: زيد واللّه يكرمك، ولا تقول زيد واللّه ليكرمك.
وقوله: {يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا... (73)}.
العرب تنصب ما أجابت بالفاء في ليت لأنها تمنّ، وفى التمني معنى يسّرنى أن تفعل فأفعل. فهذا نصب كأنه منسوق كقولك في الكلام: وددت أن أقوم فيتبعنى الناس. وجواب صحيح يكون لجحد ينوى في التمنّى لأنّ ما تمنّى مما قد مضى فكأنه مجحود ألا ترى أن قوله: {يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ} فالمعنى: أكن معهم فأفوز. وقوله في الأنعام: {يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ} هي في قراءة عبد اللّه بالفاء نردّ فلا نكذب بآيات ربّنا فمن قرأها كذلك جاز النصب على الجواب، والرفع على الاستئناف، أي فلسنا نكذب. وفى قراءتنا بالواو. فالرفع في قراءتنا أجود من النصب، والنصب جائز على الصرف كقولك: لا يسعنى شيء ويضيق عنك.